رمز الخبر: 16
سلسلة أبحاث ينشرها مركز وثائق الثورة الإسلامية...
عندما شنت العراق الحرب على إيران في شهريور عام 1359 الموافق سبتمبر عام 1980، كانت تختلف الظروف السائدة على البلدين، بعد بدء الحرب لم تكن إيران تحظى بأي دعم أجنبي، غير ان النظام البعثي العراقي دخل الحرب بمساندة عالمية وكانت مختلف الدول الغربية والعربية تمنحه الإمكانيات العسكرية والدفاعية، وكذلك أحدث الوسائل والمعدات. فضلا عن المساعدات العسكرية كانت تقدم مختلف المساعدات الاقتصادية للعراق. في هذا المقال نتطرق إلى الداعمين الرئيسيين للعراق في الحرب على إيران في قسمين: الداعمون الغربيون والداعمون العرب.
2015 September 30 - 15:32 : تأريخ النشر

أ‌) الداعمون الغربيون

بعد بدء الحرب العراقي على إيران وبينما كانت تقدم ما يزيد على 80 دولة الدعم للعراق، الرسمي منه وغير الرسمي، لم تكن إيران تتمتع بأي حق حتى شراء الأسلاك الشائكة التي تعتبر آلية غير عسكرية.

ان أمريكا كانت تعتبر الداعم الرئيس لصدام في حربه على إيران، وكانت تتابع هدفين: الأول قصير المدى، وهو تحرير الرهائن بعد شن الهجوم على طبس الذي باء بالفشل، وكذلك انقلاب نوجه العسكري، وأما الهدف الآخر لأمريكا فهو البحث عن احتواء الثورة الإسلامية والحؤول دون تصديرها. اعتبر "بريجنسكي" مستشار الأمن القومي للرئيس كارتر بان بدء الحرب الإقليمي على إيران يعتبر الحل المناسب للحؤول دون تصدير الثورة وصرح "ان أمريكا في مواجهة الثورة الإيرانية، عليها ان تقوي الدول التي لم تمتلك القوة للقيام بالعمليات العسكرية على النظام الإيراني". على هذا ومن خلال لقاء جمعه بصدام، خلق فكرة لدي الرئيس العراقي بان أمريكا تقدم الدعم له كاملا.

يقول عضو مجلس الأمن القومي في الحكومة الأمريكية في عهد كارتر، جري سيك: بعد حادثة الرهائن في طهران كان فكرة سائدة في أمريكا وخاصة عند السيد بريجنسكي (مستشار الأمن القومي) بانه يجب معاقبة إيران معاقبة شاملة. ان البيانات العامة التي أصدرها كانت تؤكد على ان أمريكا لا ترى أي مانع في طريق الهجوم العراقي على إيران.

زد على هذا هناك وثائق مختلفة حول المساعدات الأمنية والاستخبارية لإدارة ريغان للعراق. بعد 8 أيام من بداية الهجوم العراقي على إيران، تم تسليم الحكومة السعودية 5 طائرات من طراز اواكس للقوة الجوية الأمريكية تهدف إلى معرفة التحركات الجوية الإيرانية وإخبار الجيش العراقي بالأمر. في هذا المجال كانت ترسل وكالة سي أي ايه في بداية الأمر صور جوية لمواقف القوات العسكرية الإيرانية والمنشئات النفطية لنظام العراق البعثي.

ان الإعداد العسكري يعتبر جانبا من الدعم الأمريكي لصدام طوال الحرب. فضلا عن هذا ان الإدارة الأمريكية منحت العراق ما يقارب 840 مليون دولار لاستيراد المواد الغذائية، حتى لا تحرض فيما بعد الرأي العام العراقي الداخلي ضد الحرب على إيران. هذا وان أمريكا منحت العراق ما يقارب مليار دولار لشراء واستخدام معدات لصنع الأسلحة.

كما قامت أمريكا بإخراج العراق من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وهذا ما ساعد على إعداد العراق في جانب الأسلحة، فضلا عن هذا شجعت أمريكا السعودية كي تخفض من أسعار النفط وبهذا تحرم إيران من أهم مصدر دخل لتوفير تكاليف الحرب.

فضلا عن أمريكا منحت برازيل وبريطانيا وأرجنتين أسلحة للعراق إذ كانت متطورة في صنع الآليات العسكرية. كما كانت إيطاليا وبلجيكا من الداعمين للعراق من خلال إرسال صواريخ متطورة ومساعدة العراق في صنع الدبابات طويلة الأمد وأجزاء أخرى من الجيش العراقي.

أما فرنسا فانها اتخذت في بداية الحرب موقف الحياد لكن بعض المصادر تبين بانها ساعدت العراق 7/4 مليار دولار. كما منحت العراق صواريخ من طراز سوبر اتندارد وصواريخ ليزرية وهي من آخر إنجازات الصناعة العسكرية الفرنسية. فضلا عن هذا فان مناقشة مجلس وزراء فرنسا إمكانية دعم حصول العراق على الأسلحة النووية بشكل محدود في الحرب، يعد علامة أخرى لدعم فرنسا لصدام. كانت ألمانيا من الدول التي ساعدت صدام من خلال إرسال المواد الكيماوية إذ تمكن العراق من استخدام 6 آلاف طن قنبلة كيماوية لضرب إيران.
لكن أكثر الأحداث دهشة في القرن هو اتفاق الشرق والغرب على الحرب بين إيران والعراق. بعد بداية الحرب من الجانب العراقي وقفت أمريكا والاتحاد السوفيتي في صفوف الداعمين لصدام، مع انه بعد الحرب العالمي الثاني، ألقت الحرب الباردة بظلها عليهما. وضع الاتحاد السوفيتي على غرار أمريكا تقديم أنواع المساعدات العسكرية والمالية إلى صدام في خططه.

في هذا الإطار منح الاتحاد السوفيتي أكثر أنواع الطائرات الحربية تطورا وكذلك الدبابات والأسلحة الأخرى، إلى الجيش العراقي وحضر قائد جيش الاتحاد السوفيتي بغداد لتعليم الجيش العراقي. كما كان ما يقارب 85 بالمائة من معدات الجيش العراقي في الهجوم على إيران من صنع الاتحاد السوفيتي. إلى جانب المساعدات العسكرية المباشرة فان الحكومة العراقية دعت الخبراء الروس للتواجد في العراق لتطوير خطة الصواريخ عابرة القارات. مع ان هذا الأمر لم يؤدي إلى نقل تقنية صنع الصواريخ عابرة القارات، إلا انه يدل بوضوح على دعم الاتحاد السوفيتي للعراق. هذا ويجب إضافة دول كسويسرا والسويد وبولندا ويوغسلافيا والصين ورومانيا وإيطاليا وسنغافورة إلى صفوف الداعمين لصدام.

تجدر بنا الإشارة إلى ان الدعم الغربي والشرقي لصدام لم ينته بانتهاء الحرب العراقية الإيرانية بل استمر بعد انتهاء الحرب. ان العراق كانت تفتخر بانها شرطي المنطقة أي نفس العنوان الذي كانت تحمله إيران في عهد محمد رضا شاه.

ب‌) الداعمون العرب

طوال سنوات الحرب، قدمت الدول العربية في المنطقة مليارات الدولار من المساعدات إلى حكومة صدام، وأطلقت عليه فاتح القادسية وفخر العرب وصلاح الدين الأيوبي. يقول قائد حربي: في الكثير من العمليات مثل خيبر والفجر 8 وكربلاء 5 كانت الآلية العسكرية العراقية منهارة، لكن لم تمض عدة أشهر حتى يدخل صدام إمكانيات كثيرة وحديثة بعد كل عملية، وهذا لا يأتي إلا من خلال الأموال العربية والدعم الغربي والشرقي له.

على هذا يمكن القول بصراحة بان الدول العربية ومن خلال امتلاكها مصادر النفط العظيمة، كانت تعتبر الداعم المالي للعراق. ان صدام نفسه بعد الاعتقال وفي التحقيقات في فبراير 2004 اعترف بان الكثير من الدول العربية قدمت الدعم له طوال الحرب.

كان الداعم الرئيس للعراق عربيا، هو الأردن. إذ لم يكن على علاقات طيبة مع إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية، وبنى علاقات وطيدة مع العراق. بعد مؤتمر القمة العربية في بغداد وتونس أصبحت العلاقات بين العراق والأردن وطيدة أكثر من ذي قبل إذ اتخذ الملك حسين موقفا معاديا لإيران ووديا مع العراق، وقدم مساعدات سياسية واقتصادية وعسكرية كثيرة للعراق ومنها منح قروض بملايين الدولارات للعراق.

وكما كتبت صحيفة الغارديان البريطانية نقلا عن مصادر فلسطينية في بيروت بان ملك الأردن أرسل ما يقارب 5 آلاف من قواته إلى العراق كي تتولى مهام الأمن الداخلي، حتى يعد باستطاعة الجنود العراقيين ان يتجهوا إلى الحرب مع إيران. كما صرحت بان ملك حسين هو اول قائد لدولة عربية قام بمناصرة العراق في الحرب حتى تأسر عدد من المتطوعين الأردنيين في عمليات بيت المقدس. فضلا عن هذا فان ملك حسين التقى بصدام كرارا ومرارا وأعلن دعمه إليه ونقل رسائل أمريكية إلى بغداد.

ان إلقاء نظرة عابرة على تصريحات ملك الأردن يبين موقفه تجاه الحرب الإيرانية العراقية إذ قال من واجب العرب ان يقدموا العون لتحقيق الوحدة العربية. وعلينا ان لا نسمح بان ينتهك أي مصدر خارجي الأراضي العراقية.

فضلا عن الأردن كانت الكويت من المناصرين العرب لصدام، ان هذه الدولة لم تقدم أراضيها وقاعدتها الجوية إلى العراق، بل منحت العراق 14 مليار دولار، إضافة إلى النفط الذي أرسله الكويت إلى العراق. صرح الشيخ الصباح أحد سفراء الكويت في أمريكا حول المساعدات الكويتية إلى العراق: قدمت الكويت 14 مليار دولار نقدا وما يزيد على 16 مليار دولار مساعدات في إطار الخدمات والآلية الحربية إلى العراق.

فضلا عن الكويت والأردن كانت الإمارات العربية المتحدة قد قدمت مليار دولار وقدمت قطر 500 مليون دولار حتى عام 1981. ان الكويت والعراق اتفقا بغية تقديم العون إلى العراق بان يمنحوا العراق يوميا ما يعادل بيع 300 حتى 3500 ألف برميل.

أما السعودية كانت الداعم الآخر لصدام في المنطقة وبنت علاقة خاصة بأمريكا في هذا المجال، ومن خلال خفض أسعار النفط، وجعلت إيران تواجه المشاكل الكثيرة. كما بنى المسئولون في السعودية علاقات خاصة بصدام وكانوا يقدمون له الدعم. على سبيل المثال اتصل ملك خالد بصدام في 25 سبتمبر عام 1980 معلنا دعمه للعراق. على هذا علينا اعتبار السعودية داعما رئيسيا للعراق طوال الحرب، إذ كانت قد قدمت ما يقارب 30 مليار دولار من مجموع المساعدات التي قدمتها الدول العربية البالغ 70 مليار دولار.

هذا ويجب اعتبار مصر من الدول الداعمة لصدام. بعد انتصار الثورة الإسلامية منحت مصر اللجوء إلى محمد رضا بهلوي ووقفت بوجه الثورة الإسلامية. تولى حسني مبارك سياسة الدعم العراقي طوال الحرب على إيران، وبعد أنور السادات. انه منح صدام طوال الثمانينات من القرن المنصرم ما يعادل 3 ونصف مليار من الصواريخ والأسلحة.

كما أرسلت السودان المئات من جنودها إلى جبهات الحرب على إيران. وأنشئت مكاتب بأمر من جعفر النميري الرئيس السوداني في مدينة الخرطوم العاصمة وعدد من المدن الأخرى لتسجيل المتطوعين للقتال مع إيران. واقر جعفر النميري في مقابلة مع مجلة اليوسف بان إرسال القوات إلى العراق تم بموجب قرارات مؤتمر القمة العربية.

علينا ان نضيف ليبيا إلى قائمة الدول الداعمة لإيران التي وقفت إلى جانب العراق بعد تغيير سياساتها لكن الحكومة اليمنية وقفا إلى جانب العراق منذ البداية. وكما قال اللواء الركن وفيق السامرائي ان اليمن أرسلت لواء العروبة إلى العراق كما أرسلت الأردن قوات اليرموك إلى العراق، وأرسلت السودان متطوعين قاتلوا في الجبهة الشرقية لنهر ميسان وفي الخط المقدم للجبهة.

فضلا عن الدول التي أشرنا إليها أعلاه يمكن الإشارة إلى دول كالبحرين وعمان والمغرب والجزائر وصوماليا كدول داعمة لصدام. وأخيرا علينا ان نعرف بان من الأسباب التي حرضت الدول العربية لتقف بوجه إيران هو خوفهم من انتقال الثورة الإسلامية إلى بلادهم. على هذا قامت تلك الدول من خلال إعداد العراق بوجه الثورة الإيرانية الحديثة، لكي تقف بوجه تصديرها إلى الدول الإقليمية، غير ان خطتهم المشئومة لم تتمكن من ان تمنع الثورة الإسلامية في إيران من التصدير إذ شاهدنا ظهور الصحوة الإسلامية التي جعلت الثورة الإسلامية نموذجا لها في المنطقة.


أرسل إلى صديق
ترك تعليق