رمز الخبر: 53
ان الحدود المحددة لدول شرق الأوسط بعد مرور قرن من الزمن، تواجه تحديات في يومنا هذا بعد ظهور داعش والجماعات الإرهابية الأخرى في العراق وسوريا. فان مستقبل التطورات التي بدأت بتدخل الدول الأجنبية في المنطقة، ليس واضحا بعد. لكن القضية هنا هي ان نفس تلك الآليات التي استخدمها الاستعمار لتغيير الحدود الراهنة في الشرق الأوسط، استخدمت ثانية وان الكثير من الجماعات الانفصالية تحولت إلى آليات لألعاب الاستعمار.
2015 October 16 - 12:45 : تأريخ النشر

الموقع الإعلامي لمركز وثائق الثورة الإسلامية؛ في يومنا هذا تترأس سياسة تقسيم الشرق الأوسط أجندة عمل الاستعمار العالمي وان إستراتيجية عدم الاستقرار طويلة الأمد في الشرق الأوسط، تظهر بوضوح باستغلال الجماعات الإرهابية والانفصالية في كل مناطق الشرق الأوسط من اليمن وباكستان وليبيا والعراق وتركيا والدول الإسلامية الأخرى في الشرق الأوسط. هذا ويظن البعض بان نظرية "فرق تسد" الاستعمارية كانت ناجمة عن توهم المؤامرة، وتحولت إلى آلية عند الكثير من سياسيين العالم الثالث وخاصة حكام دول الشرق الأوسط.
لكنهم كانوا في غفلة عن ان التقسيم يمثل سياسة أبدية للاستعمار وفي تاريخ البشر كان يعادل الهجوم العسكري وممارسات السلطات الاستعمارية. لو ألقينا نظرة على التاريخ لعرفنا بان هناك طبقة سائدة على العالم كانت تضع هذه السياسة المهمة على رأس أجندتها وعن طريق الانفصال وتقسيم الأراضي والقوات كانت تهمين عليها بسهولة. انها قصة تحتل مكانة خاصة في الشرق الأوسط.
في يومنا هذا وبينما نعيش في عام 2015 ويمر على عام 1916، 99 سنة وعلى معاهدة سايكس بيكو قرن من استغلال الشرق الأوسط بحدود رسمها المستعمرون الغربيون، كان تقسيم الدول وتحويلها إلى مستعمرات مختلفة والى مجموعات قومية مختلفة، طوال القرنين يشكل إحدى السياسات الجوهرية لإمبراطورية بريطانيا. في هذه الأثناء وبعد مرور سنوات طويلة على تلك السياسة لم تتغير تلك الإستراتيجية، بل يتم متابعتها على يد الجهاز الإعلامي لبريطانيا باستمرار.
النقطة المثيرة للانتباه هنا هي ان تلك السياسة تجد الأمريكيين يتابعونها كاملا، ويتحدث المسئولون في الإدارة الأمريكية عن تقسيم العراق وسورية بصريح العبارة. هذا وان الدولتين يعتبران عضوا رسميا في الأسرة الدولية، وان مثل هذه الأحاديث ليست إلا التدخل في القضايا الداخلية. لهذا لا يأتي اعتبار الحكام الإيرانيين تواجد دولة قوية في المنطقة، لتعارض مصالح السلطات العالمية مباشرة في كل العصور، من الفراغ وعليها يعرفون تحقيق مصالحهم القومية في مواجهة القوة المهيمنة في كل فترة.
على هذا ان إلقاء نظرة على سياسة الدول الغربية واللاعبين في المنطقة يدل على ان تقسيم الشرق الأوسط أصبح على رأس أجندتهم مرة ثانية. على هذا فان دعمهم لتمرد أقليات قومية  مثل الدروز في لبنان والبلوش والكرد والخ في إيران، والعلويين في سوريا والعيسويين في إثيوبيا والجماعات الطائفية في السودان والقبائل العربية في مختلف الدول العربية والكرد في تركيا، يحتل مكانة مهمة في جدول أعمالهم. انهم يهدفون إلى تقسيم الشرق الأوسط وتحويلها إلى فسيفساء من دول صغيرة وضعيفة تتنافس معا، وبهذا يقومون بتضعيف قوة الدول والحكومات الراهنة، أكثر من ذي قبل وان إيران تحتل أهمية إستراتيجية كبيرة في هذا المشروع. ان أي تغيير في الحدود الجغرافية الإيرانية يمكنه بسهولة ان يجعل دول الجوار وخاصة العراق وتركيا وباكستان غير آمنة ويقدم العون الكبير إلى مشروع الصهاينة أو بلقنة العالم الإسلامي.

نظرة على تقسيم إيران تاريخيا


في هذا المجال لدراسة تقسيم إيران طوال التاريخ أهمية قصوى. ان إلقاء نظرة على جغرافية إيران طوال قرنين من الزمن يوضح حقيقة مرة للاستراتيجيين الإيرانيين. في الحقيقة ان بلدنا كان يعاني من التقسيم دائما، تابعت روسية القيصرية هذه السياسة بداية الأمر بشكل جدي، وثم سارت إمبراطورية بريطانيا الاستعمارية على نفس المنهج من خلال فصل أفغانستان وبلوتشستان إذ انفصلت عشرات الدول من بلدنا حتى يومنا هذا.
حتى لم يمنع اعتلاء نظام بهلوي الثاني الذي كان يعتمد على أموال طائلة نتيجة بيع النفط وجيش قوي لكن تابع للغرب؛ تلك العملية، بحيث انفصلت البحرين عام 1349 التي كانت تعرف عام 1339 كمحافظة رابعة عشر لإيران عن إيران لقاء استعادة الجزر الثلاثة من إيران واعتباره دولة مستقلة.
ان مثل هذا العملية جعلت الاستراتيجيين الإيرانيين يستنتجون بانه بغض الطرف عن الدولة الحاكمة على إيران، فان السياسة الجوهرية للقوى العالمية في كل العصور هي تقسيم إيران وتحويلها إلى وحدات قومية صغيرة، إذ تابعت هذه السياسة في الإمبراطورية العثمانية وحولتها إلى عدة دول صغيرة، كما كان تحويل تلك الدول وإعادة ترتيب الحدود ضمن سياسات القوى العالمية في منطقة الشرق الأوسط.
نظرة على تقسيم الإمبراطورية العثمانية تاريخيا
لكن لو ألقينا نظرة على تقسيم العثمانية لاتضحت الكثير من القضايا فيما يتعلق بالتطورات العراقية والسورية. في هذا المجال تعتبر معاهدة سيڨر من المعاهدات البارزة حول تكون الحدود الراهنة استعمارية، ان المعاهدة أبرمت نهاية الحرب العالمي الأول وفي الحقيقة لإنزال العقوبة بالإمبراطورية العثمانية وفي إطار المطالب الانفصالية، والأهداف الاستعمارية للدول الخاضعة للهيمنة. معاهدة كانت الاستفادة من حق تقرير المصير تلعب دورا مهما في تنفيذها.
وفقا لمعاهدة سيڨر فان الإمبراطورية العثمانية لا تفقد أراضيها العربية والإفريقية والأوروبية، فحسب، بل كانت تتأسس في المناطق الشرقية دولة أرمينية مستقلة (في الشمال الشرقي من تركيا الحالية) ومنطقة تتمتع بالحكم الذاتي في كردستان (في الجنوب الشرقي من تركيا الحالية)، لتحصل فيما بعد على الاستقلال. بموجب معاهدة سيڨر فان منطقة تركيا (الجانب الأوروبي لتركيا الحالية) وكذلك أزمير ومناطق منها تمنح ليونان ويكون مضيق البوسفور والدردنيل الدولي ومناطق واقعة في ريف المضيقين (إسطنبول وجناق قلعة) مناطق مدنية، وتعطي مناطق واقعة جنوب غرب تركيا الحالية إلى الفرنسيين والايطاليين.
ان معاهدة سيڨر كانت في الواقع معاهدة لمعاقبة الإمبراطورية العثمانية، ذلك انه في الحرب الكوني الأول (1914-1918) دخلت في الحرب دفاعا عن الإمبراطورية الألمانية والإمبراطورية النمساوية المجرية. لكن هذه المعاهدة أدت إلى ظهور حركة الوطنيين الترك وثورة القسم الكبير من الجيش العثماني بوجه سلطان محمد السادس آخر سلاطين العثمانية.
كان يقود الوطنيين الترك جماعة من الضباط الشباب بقيادة مصطفى كمال وأسسوا في أنقرة دولة قومية، فرفضوا معاهدة سيڨر وقاموا بمقاومة جيوش اليونان وبريطانيا وفرنسا ومواجهتها، إذ كانت قد احتلت الأجزاء الغربية من تركيا الحالية، بعد معاهدة سيڨر، انتهى الحرب بين القوات التركية والقوات المنتصرة في الحرب الكوني الأول بعد ثلاثة أعوام بانتصار الترك والتوقيع على معاهدة جديدة في لوزان في يناير 1924، وان الأسرة الدولية اعترفت بحدود تركيا الراهنة. بعد هذا الانتصار لم تسير الأحداث كما كان مخطط لها في معاهدة سيڨر.
أخيرا وبعد التطورات الكثيرة وتقسيم الحدود العربية الخاضعة للإمبراطورية العثمانية في اتفاقية عرفت بسايكس بيكو عام 1916 تأسست الدول العربية والإسلامية بحدودها المعروفة في يومنا هذا، ان مارك سايكس وفرانسوا جورج بيكو وهما ديبلوماسيان من بريطانيا وفرنسا قاما بتحديد الحدود الراهنة لدول العراق والكويت والسعودية والأردن وسوريا ولبنان إذ أوكلت دولهم هذه المهمة على عاتقهما. وذلك في فترة كانت الشرق الأوسط تمر بإحدى أكثر الفترات التاريخية تأزما. في تلك الأزمة كانت المشاكل الناجمة عن التنمية السياسة والعبور إلى الديمقراطية، قد ترافقت مع الأزمة الناجمة عن التوترات القومية والطائفية.
يذهب بعض الباحثين بان مشاكل منطقة الشرق الأوسط بدأت منذ قيام الأوروبيين بداية القرن العشرين وبعد الحرب الكوني الأول برسم حدود المنطقة على ورقة بيضاء. ان القصد هو اتفاقية سايكس-بيكو (مارك سايكس مندوب دولة بريطانيا وفرانسوا جورج-بيكون مندوب دولة فرنسا) إذ قاما بتقسيم الحدود العربية للإمبراطورية العثمانية كسورية والعراق وفلسطين ومصر والحجاز بالمسطرة إلى دول-شعوب افتراضية وكما أرادا وفرضوها اعتمادا على القوة العسكرية.
وفقا للمعطيات التاريخية كانت بريطانيا قد وعدت العرب في الإمبراطورية العثمانية بانه لو ثاروا بوجه الإمبراطورية العثمانية وعملوا على إسقاطها، فانهم يحققون استقلالهم. انهارت الإمبراطورية العثمانية لكن بقت أغلبية الدول في المنطقة حتى منتصف القرن العشرين مستعمرة، كانت لبنان تخضع لنفوذ فرنسا بينما كانت العراق والأردن وفلسطين تخضع لهيمنة بريطانيا. في شمال إفريقيا أصبحت مصر خاضعة لبريطانيا وهيمنت فرنسا على المغرب المكونة من تونس والجزائر والمغرب.
منذ أواسط القرن العشرين زادت موجة المطالبة بالاستقلال في تلك الدول، واستلم العسكريون الوطنيون السلطة ليحلوا محل الأنظمة الملكية. على هذا تم حلحلة مشكلة الاستعمار في المنطقة، لكن بقت الحدود غير المتناسقة قوميا ودينيا التي ظهرت بداية القرن نتيجة اتفاقية سايكس بيكو، على حالها. ان هذه المعضلة إلى جانب الحكومات الاستبدادية المعتمدة على أقلية دينية وقومية في تلك الدول أصبحت مصدر أزمة ألقت بضلالها في السنوات الأخيرة على منطقة الشرق الأوسط برمتها.
ان الحدود المحددة لدول شرق الأوسط بعد مرور قرن من الزمن، تواجه تحديات في يومنا هذا بعد ظهور داعش والجماعات الإرهابية الأخرى في العراق وسوريا. فان مستقبل التطورات التي بدأت بتدخل الدول الأجنبية في المنطقة، ليس واضحا بعد. لكن القضية هنا هي ان نفس تلك الآليات التي استخدمها الاستعمار لتغيير الحدود الراهنة في الشرق الأوسط، استخدمت ثانية وان الكثير من الجماعات الانفصالية تحولت إلى آليات لألعاب الاستعمار.

أرسل إلى صديق
ترك تعليق